
بعد دعوى جوازالفطر للمسلم الغني في رمضان وإطعام مسكين عن كل يوم.الافتاء ترد

الله جعل صيام رمضان سببًا في نيل مغفرته سبحانه؛ قال سيدنا رسول الله ﷺ: «وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». [متفق عليه].
وهناك جملة من الخصائص التي تضمنت الدلالة على مكانة الصوم وأهميته وأحكامه، وأيضًا يوجد شروط لصحة الصيام، وهي إما عامة لجميع أنواع الصوم، أو خاصة في بعض أنواعه، فالتفضيل بالخصوصية هو مزيد من الخصائص لبعض أنواع الصوم، ومنها: صوم شهر رمضان، فيختص بكونه فرضًا بمعنى: أن العبادة المفروضة أفضل من النفل، والتقرب إلى الله بما فرض أفضل رتبة من التقرب بالنوافل، ومع حلول شهر رمضان المعظم، يتساءل كثير من الناس عن "حكم إفطار الغنى فى رمضان وإطعام مساكين عن كل يوم بحجة أن الله ليس في حاجة إلى صيامه، فهل يجوز له الإفطار مع الإطعام؟" ، وجاء رد الدار على هذا السؤال كالتالي:
وقالت دار الإفتاء إن يحرم على المسلم الفطر في رمضان ما دام بالغًا عاقلًا خاليًا عن الأعذار والموانع، ودعوى جواز ذلك بحجة أن الله ليس في حاجة إلى صيامه -دعوى فاسدة؛ لفساد مبناها؛ لأن الحق أن علة وجوب الصيام التعبد لله تعالى والطاعة والامتثال ليتحقق التسليم لأمر الله عزَّ وجلَّ.
وأوضحت دار الإفتاء أن صيام شهر رمضان من أركان الإسلام المعلومة من الدِّين بالضرورة، فقد دلَّ على ذلك القرآن والسُّنَّة وإجماع الأمة، فصيامه فرضُ عينٍ على كلٍّ مسلم بالغ عاقل خالٍ عن موانعه، قال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183].
وقال الإمام أبو بكر الجصاص في "أحكام القرآن" (1/ 2011، ط. دار الكتب العلمية) في تفسير هذه الآية: [فالله تعالى أوجب علينا فرض الصيام بهذه الآية؛ لأن قوله ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ﴾ معناه: فُرِضَ عليكم] اهـ.
كما قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (2/ 272، ط. دار الكتب المصرية) في تفسير الآية الكريمة: [فيه ست مسائل: الأولى: قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ لَمَّا ذكر ما كتب على المكلفين من القصاص والوصية، ذكر أيضًا أنه كتب عليهم الصيام، وألزمهم إياه، وأوجبه عليهم، ولا خلاف فيه] اهـ.
وقال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ [البقرة: 185].
قال الإمام ابن كثير في "تفسيره" (1/ 369، ط. دار الكتب العلمية): [هذا إيجاب حتم على من شهد استهلال الشهر، أي: كان مقيمًا في البلد حين دخل شهر رمضان، وهو صحيح في بدنه: أن يصوم لا محالة] اهـ.
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: عَلَى أَنْ يُعْبَدَ اللهُ، وَيُكْفَرَ بِمَا دُونَهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ» متفقٌ عليه.
وقد تتابع العلماء وتواردت عباراتهم إجماعًا على ذلك.
وقال الإمام ابن عبد البر في "التمهيد" (22/ 148، ط. أوقاف المغرب): [أجمع العلماء على أن لا فرض في الصوم غير شهر رمضان] اهـ.
وقال الإمام ابن القطان في "الإقناع في مسائل الإجماع" (1/ 226، ط. الفاروق الحديثة): [ولا خلاف بين العلماء في أن صيام شهر رمضان واجب] اهـ.
لا يجوز للمسلم الثري الفطر في رمضان ما دام بالغًا عاقلًا خاليًا عن الأعذار والموانع؛ إذ الإفطار في شهر رمضان بغير عذر حرام شرعًا، وحرمته قطعية، فإذا أكل أو شرب في نهار رمضان عامدًا عالمًا بوجوب الصوم عليه من غير عذرٍ ولا ضرورةٍ من سفرٍ أو مرضٍ أو نحوهما، فقد ظلم نفسَهُ باقترافِ كبيرة من كبائر الذنوب، والواجب عليه في هذه الحالة أن يتوب إلى اللهِ تعالى منها بالاستغفار والندم، مع وجوب قضاء الصيام لا الإطعام بإجماع الأئمة الأعلام.
فعن سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ رضي الله عنه، وَالشَّعْبِيِّ، وَابْنِ جُبَيْرٍ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَقَتَادَةَ، وَحَمَّادٍ رحمهم الله؛ فيمَن أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَا مَرَضٍ، أنه: "يَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ" أخرجه البخاري في "صحيحه".
وعن سعيد بن جبير رضي الله عنه: أنه سُئِلَ عن رَجُلٍ أَفْطَرَ مِنْ رَمَضَانَ يَوْمًا مُتَعَمِّدًا، مَا كَفَّارَتُهُ؟ فقال: "يَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ، وَيَسْتَغْفِرُ اللهَ" أخرجه سعيد بن منصور في "السنن"، والبيهقي في "السنن"، وفي رواية ابن أبي شيبة أنه قال: "يَسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْ ذَلِكَ، وَيَتُوبُ إِلَيْهِ، وَيَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ".